التخطي إلى المحتوى

الشبكة نيوز :
سيرة شهيرة.. 7 عقود من ملاحقة الهوية وحراسة الذاكرة لسيدة آمنت بمصر

الشبكة نيوز : 
                                            سيرة شهيرة.. 7 عقود من ملاحقة الهوية وحراسة الذاكرة لسيدة آمنت بمصر
الشبكة نيوز :
سيرة شهيرة.. 7 عقود من ملاحقة الهوية وحراسة الذاكرة لسيدة آمنت بمصر


الشبكة نيوز :
سيرة شهيرة.. 7 عقود من ملاحقة الهوية وحراسة الذاكرة لسيدة آمنت بمصر

ناسكة فى محراب، أو بالأحرى على نولٍ، رحلتها فى الحياة هى ذاتها رحلتها فى ملاحقة الهوية وحراسة الذاكرة، تعليمها الغربى زاد مصريتها جلالا فوق جلال، وثقافتها الرفيعة غرستها لدرجة أعمق فى التُربة المصرية وبين نسيجها الثرىّ، سبعون عاما من الشغف، وخمسون من الالتصاق بالهوية قولاً وممارسة، وثلاثة عقود من الجمع والتوثيق دون كلل أو ملل، من سيناء إلى النوبة والواحات، وكل زاوية مُضيئة فى غرفة الزىّ والأسرار.

فى عالم يغرقنا فيه الغرب بأنماطه ومعاييره وتلهث الفتيات وراء تريندات الموضة والمكياج التى تصدرها الفتيات الغربيات على منصات التواصل الاجتماعي، اختارت امرأة مصرية قبل نحو 70 عامًا أن تكون حارسة ذاكرة نساء هذا الوطن وتراثه، وأدركت منذ سن مبكرة جدًا أهمية الأزياء فى الحفاظ على الهوية، فاختارت منذ كانت فى السادسة عشرة من عمرها، ورغم أنها تدرس فى مدرسة فرنسية أن ترتدى الملابس التقليدية المصرية، اختارت أن تنحاز لما هو أعمق من الموضة… أن ترتدى هويتها.

شهيرة محرز، أستاذ العمارة الإسلامية بجامعة حلوان، ومصممة الأزياء التراثية استنكرت منذ مراهقتها اللهاث وراء خطوط الموضة الغربية والهوس بمجلات الموضة الأجنبية فى مقابل إهمال تاريخ غنى من الأزياء التقليدية التى تحمل روح الأرض وهوية مصر فكانت بدايتها بسيطة، لكنها جذرية، قررت منذ ذلك الوقت ألا ترتدى إلا الملابس التقليدية المصرية، حتى أنها كانت ترتدى الجامعة مرتدية جلابية رجالى مصرية التصميم، كانت والدتها وجدتها غير مرتاحتين، لكنها أصرت على موقفها فاحترمتا اختياراتها، لم يكن تمردًا، بل كان إيمانًا بأن ما نرتديه ليس مجرد قماش، بل انعكاس لما نؤمن به حسبما قالت فى مقابلة تليفزيونية ثرية مع الإعلامى القدير محمود سعد.

درست شهيرة محرز الآثار الإسلامية وتاريخها، وبدأت رحلتها فى جمع الملابس التراثية من كل شبر فى مصر بصحبة صديقتها الراحلة نعمة كامل. ما يزيد عن ثلاثين عامًا أمضتها تتنقل من سيناء إلى النوبة، من الواحات إلى الصعيد، توثق وتجمع وتحفظ، فى محاولة لإنقاذ ما تبقى من هوية تُنسى يومًا بعد يوم.

فى منزلها الذى صممه المعمارى المصرى الراحل حسن فتحى، تجد نفسك فى متحف حى، كل زاوية تحكى قصة، المفروشات، النسيج، المقتنيات… كل قطعة هى امتداد لرحلة عمرها الطويل، رحلة البحث عن مصر التى كدنا أن ننساها.

تقول شهيرة فى المقابلة: «الملابس جلدى الأول، والبيت جلدى الثانى وكذلك المفروشات، هما اللى بيخلّونى أعرف أنا مين» لكنها تعترف، بألم لا تخفيه، أنها فشلت فى إقناع السيدات المصريات بالعودة لأزيائهن التقليدية، «كان عندى أمل إننا نسترجعها، بس معرفتش أنشر الفكرة»، تقولها بصراحة نادرة، لكنها تظل تحارب بطريقتها.

تؤمن شهيرة أن الغرب لم يصدر لنا الموضة عبثًا، بل ليجعلنا مستهلكين دائمين، نركض خلف جديدهم كل موسم، ونهمل إنتاجنا، فتنكسر ثقتنا بأنفسنا. ترى أن الملابس التقليدية كانت تقلل الفروق بين الطبقات، ملابس كانت ترتديها زوجة العمدة وخادمتها دون أن تفرق بينهما والزى التقليدى دائمًا قابل لأن يتم تصنيعه بخامات فاخرة وأيضًا بخامات قليلة التكلفة، لأن الملابس فى النهاية تعبر عن هوية وليس عن طبقة.

تحكى أن قطعة الملابس التقليدية المصرية كانت تُخاط لتعيش. تُورَّث، وتُلبس فى المناسبات، وتبقى رمزًا، مثل فستان ديور الأسود الذى تحتفظ به نساء الطبقة الراقية لعشرات السنوات، كان الفستان النوبى أو «الملس» يُرتدى طوال العمر، وتلبسه الأم وتورثه لابنتها مشيرة إلى أنه كان من ملابس الطبقة الراقية لأنه كان يصنع من الحرير المصبوغ بالأسود وهى أغلى أنواع الصبغات.

فى كتابها عن الأزياء التقليدية المصرية، توثق شهيرة محرز هذا التاريخ المنسي. تثبت أن ملابس سيوة مثلًا، رغم ما يُقال عن أصولها الأمازيغية، تحمل فى تفاصيلها عناصر مصرية أصيلة. توضح كيف أن الزينة والمطرزات فى ملابس النوبة، والصعيد، وسيناء، تحمل روحًا مشتركة تعبر عن حضارة واحدة رغم تنوعها، مشيرة إلى أن مصر من أغنى الدول بالأزياء التقليدية فلديها نحو 24 زيًا متنوعًا بينما الدول الأخرى لديها زى واحد أو اثنين.

فى الثمانينيات، أسست «مشغل فتيات العريش» لتعليم نساء سيناء كيفية إنتاج قطع مستوحاة من تراثهن، لخلق مصدر دخل مستدام. كانت تجلس معهن، تتعلم منهن وتخرج إنتاجهن للعالم، لم تكن فقط تحفظ الذاكرة، بل تحاول بث الحياة فيها من جديد.

ومع ذلك، لم تيأس، لا تزال شهيرة تحلم بأن تعود المرأة المصرية لترتدى ما يعبر عنها. لا ترفض الغرب، لكنها ترى فى العودة للجذور اعتزازًا بالذات، مثل إمبراطور اليابان الذى ارتدى زى بلاده التقليدى فى لحظة توديع الحكم، وبإمكانه فى أى وقت أن يرتدى بدلة توكسيدو دون تناقض.

شهيرة محرز
شهيرة محرز

 

نسخة من العدد الورقى
نسخة من العدد الورقى

الشبكة نيوز :
سيرة شهيرة.. 7 عقود من ملاحقة الهوية وحراسة الذاكرة لسيدة آمنت بمصر

الشبكة نيوز :
سيرة شهيرة.. 7 عقود من ملاحقة الهوية وحراسة الذاكرة لسيدة آمنت بمصر
#سيرة #شهيرة #عقود #من #ملاحقة #الهوية #وحراسة #الذاكرة #لسيدة #آمنت #بمصر